بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد، إنّ كلمة الرياء مأخوذة من الجذر الثلاثي (رأى)، ويُؤخذ من هذا الجذر أيضاً: يرى ورؤية ويرائي ومراءاة، ويقول صاحب لسان العرب: « وراءيت الرجل مراءاةً ورياءً: أريته أني على خلاف ما أنا عليه. » [راجع: لسان العرب]، ويقول صاحب مقاييس اللغة: « وراءى فلانٌ يُراءى، وفعل ذلك رِئاءَ الناس: وهو أن يفعل شيئاً ليراه الناس. » [راجع: مقاييس اللغة]. والرياء: هو أن يعمل المسلم عملاً لا يَقْصد منه وجه الله سبحانه وتعالى، وإنما يكون قصده أن يراه الناس ويمتدحوه ويثنوا عليه، فيصلي ليراه الناس ويقولوا أن هذا رجل صالح مواظب على الصلاة. ويتصدق ليراه الناس ويقولوا أن هذا رجل كريم وجواد. ويجاهد ليراه الناس ويقولوا أن هذا رجل مقدام وشجاع. ويتعلم العلم حتى يراه الناس ويقولوا أنه رجل عالم وحامل للشهادات العليا. إنّ الرياء هو نوع من الشرك، ويسمى بـ (الشرك الأصغر)، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء، يقول الله عز وجل لأصحاب ذلك يوم القيامة إذا جازى الناس: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟! » ]صححه الألباني[. وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: « من سَمَّع سَمَّع الله به، ومن راءى راءى الله به. » ]متفق عليه[. يقول الإمام النووي في شرحه للحديث: « قال العلماء: معناه: من رايا بعمله الناس وسَمَّعَه الناس ليكرموه ويعظموه ويعتقدوا خيره، سَمَّع الله به يوم القيامة الناس وفضحه... وقيل: معناه: من أراد بعمله الناس أسمعه الله الناس وكان ذلك حظه منه. » [راجع: شرح النووي على مسلم]. والفرق بين من يُرائي ومن يُسَمِّع كما جاء في الحديث، أنّ الرياء هو يقصد المرء رؤية الناس في الأعمال التي تصدر منه فيمتدحوه، أما التسميع فهو أن يخطب خطبة ما، أو أن يعظ موعظة ما، أو أن يقرأ القرآن، حتى يسمعه الناس فيُعْجبوا به ويثنوا عليه، ولا يريد من هذا وجه الله تعالى، فجزاؤه أن يفضحه الله يوم القيامة، أو أن يعطيه نصيبه من ذلك العمل في الدنيا، ويوم القيامة لا ينال شيئًا. والرياء هو سبب في إحباط العمل وعدم قبوله عند رب العالمين، فهناك شرطان أساسيان لا ثالث لهما يجب أن يتوفرا في الأعمال التعبدية التي يقوم بها المسلم حتى تكون صحيحة ومقبولة عند رب العالمين، أما الشرط الأول: أن يكون العمل موافقًا لما جاء في شريعة الله من الكتاب والسنة، والأمر الذي كان عليه المؤمنون في القرون الأولى، فلا يجوز للمسلم أن يأتي بعمل تعبدي لا أصل له في الدين، أو أن يَزِيد ويُنْقِص في عباداتٍ معينة، وإنما يجب عليه أن يتبع شرع الله، وسنة رسول الله، وأن يأتي بالعبادات كما هي. وأما الشرط الثاني: أن يكون العمل خالصًا لوجه الله تعالى، فمخالفة الشرط الأول تعني الوقوع في البدعة، ومخالفة الشرط الثاني تعني الوقوع في الرياء والنفاق. فلا ينفع المسلم أن يعمل عملًا يوافق الكتاب والسنة، ولكنه غير خالصٍ لوجه الله، وكذلك لا ينفعه أن يكون عمله خالصاً لوجه الله، ولكنه مخالفٌ لما في الكتاب والسنة، والأشد من ذلك كله أن يخل بكلا الشرطين، فلا يكون عمله موافقًا للكتاب والسنة، وفي نفس الوقت لا يكون خالصًا لوجه الله! فيجب على كل مسلم أن يحذر من الرياء والنّفاق، وأن يحرص على أن تكون كل أعماله خالصة لوجه الله تعالى، لا يبتغي بها رؤية النّاس له ومديحهم وثناءهم.